قلعَة القانُون قلعَة القانُون

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحليل نص المادة 136 من القانون المدني الجزائري

التعليق على المادة 136 من القانون المدني

الجزائري مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه

أولا التحليل الشكلي لنص المادة 136 ق م
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 136 ق م

أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 136 : { يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بفعله الضار متى كان واقعا منه في حالة تأدية وظيفته أو بسببها أو بمناسبتها.
وتتحقق علاقة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه متى كان هذا الأخير يعمل لحساب المتبوع.
}
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 136) في قانون رقم الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم .بالقانون 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005.
و قد جاء في الكتاب الثاني منه الإلتزامات و العقود ، من الباب الاول وعنوانه مصادر الالتزام ، الفصل الثالث وعنوانه العمل المستحق للتعويض ،القسم الثاني وعنوانه المسؤولية عن فعل الغير.
البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 136 من القانون المدني حيث جعلها تتألف من فقرتين 2 .
الفقرة الاولي : يبدأ من " يكون المتبوع " وينتهي عند " أو بناسبتها " ،.
الفقرة الثانية  : يبدأ من " و تتحقق " وينتهي عند " لحساب المتبوع .
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 136 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعه عن الضرر الذي يحدثه و كمثال على ذلك نشير إلى :
" المتبوع " ، " التابع" ، " علاقة التبعية " وغيرها من المصطلحات التي تفيد علاقة المتبوع بالتابع.
البناء المنطقي :
نلاحظ  نص المادة 136 بدأت بعبارة " يكون "وهنا أي جميع الاضرار التي يقوم بها المتبوع وربطها بأداة شرط "متى"، أي عندما يكون التابع في حالة تأديته لوضيفة او بسببها او بمناسبتها وهو تحت إشراف او سلطة المتبوع و سبب هذا التابع ضررا فإن المتبوع يكون مسؤولا عن تلك الاضرار التي احدثها التابع ويبقي المتبوع مسؤولا حتي وان لم يكن حرا في إختيار تابعه.
- نلاحظ أن المشرع في المادة  136 ق م اتبع أسلوبا شرطيا .

ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 136 ق م يتضح أن المشرع قد بين بأن المتبوع يكون مسؤولا عن الاضرار التي يحدثها التابع بمناسبة تأديته لوضيفة او بسببها وفي الفقرة الثانية من المادة اشار المشرع الي انه حتي ولو لم يكن المتبوع حرا في إختيار تابعه فإنه يبقي مسؤولا عن الاضرار التي يحدثها هذا الاخير متي كان يعمل لحسابه.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 136 ق م يمكن  طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهي شروط و أحكام مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول: شروط و خصائص مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه

المطلب الأول : شروط مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة
المطلب الثاني : أساس مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع

المبحث الثاني : احكام مسؤولية متولي الرقابة عن اعمال تابعه
المطلب الأول : طرق دفع مسؤولية متولي الرقابة عن اعمال تابعه
المطلب الثاني : آثار قيام مسؤولية المتبوع
عن اعمال تابعه
خاتمة

مقدمة
تعتبر المسؤولية جزاء على مخالفة الشخص لأحد الواجبات الملقاة على عاتقه، هذه  الواجبات إما أن يكون مصدرها القانون، أو قد يفرضها المجتمع على الإنسان لكونه كائنا يعيش بداخله، وبالتالي نكون بصدد نوعين من المسؤولية، مسؤولية قانونية في حالة الإخلال بواجب قانوني، ومسؤولية أخلاقية تقوم على تأنيب الضمير ولا ينتج عنها جزاء قانوني،
اذا كانت القاعدة العامة ان المرء لا يسأل قانوناً الا عن أعماله الخاطئة والمولّدة للضرر، الا انه، وفي حالات استثنائية ومحددة حصراً، يجيز القانون مساءلة المرء عن الأعمال الضارّة وغير المباحة التي يأتيها أشخاص تربطهم به رابطة معيّنة، كمسؤولية الأصول والأوصياء عن أفعال الأولاد القاصرين، ومسؤولية المعلمين و أصحاب الحرف عن أفعال التلاميذ والمتدربين، ومسؤولية السيد والولي عن أعمال الخادم أو المولّى حيث تعد مسئولية المتبوع عن عمل التابع خروجا عن القاعدة العامة حيث ان الاصل ان الشخص يسأل عن فعله الشخصي دون غيره الا ان القوانين الحديثة خرجت عن ذلك وتوسعت في مفهوم المسئولية بحيث قررت المسئولية عن عمل الغير وذلك تمشياً مع تطور الحياة العصرية فأسندت المسئولية على عاتق المتبوع إذا أتى تابعه بعمل غير مشروع نتج عنه ضرر اصاب الغير طالماً أن ذلك الفعل غير المشروع وقع اثناء تأدية الوظيفة او بسببه
وبالرجوع إلى القانون المدني، نجد أن المشرع الجزائري قد كرس مبدأ المسؤولية عن فعل الغير بشكل واضح وجلي في نصوص قانونية في إطار تنظيمه لأحكام المسؤولية التقصيرية.
 

المبحث الأول: شروط و أسس مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه

المطلب الأول : شروط مسؤولية التابع عن أعمال تابعة

يتضح من نص المادة أن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة تقوم إذا ما توفر شرطيها :

الشرط الأول : قيام رابطة التبعية

المقصود برابطة التبعية بين شخصين، أحدهما متبوع والآخر تابع وجود سلطة فعلية في الرقابة والتوجيه لذا لا يشترط أن تقوم رابطة التبعية على عقد، لذا فإننا نلخص الرابطة التبعية لشخص على آخر في عنصرين وجود سلطة فعلية عن عمل معين، ونقطة أخرى تتعلق بالرقابة والتوجيه.
وكما ذكرنا سابقا أن عنصر السلطة الفعلية قد يكون مصدره العقد ولكن ليس من الضروري ذلك أي وجوب قيامها على الاختبار بل أن منا طها هو السلطة الفعلية التي تقوم ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار التابع متى كانت له عليه سلطة فعلية في الرقابة والتوجيه كما هو الحال مثلا لجنود الجيش فغن وزارة الدفاع الوطني مسؤولة عن الضرر الذي يحدثونه بأعمالهم غير المشروعة حتى وإن كانت غير حرة في إختيارهم لأن تجنيدهم يتم طبقا للإقتراع العام .
فقد تكون علاقة التبعية ناشئة عن عقد عمل كما هو الحال بالنسبة للخادم والسائق والعامل ……
وقد تنشأ هذه العلاقة ضمن علاقات القانون العام كما هو الحال بالنسبة لعلاقة الحكومة بالموظفين العموميين ويمكن كذلك أن تقوم وكان العقد الذي يربط بين المتبوع والتابع باطل أو غير مشروع طالما وجدت هذه السلطة الفعلية-كحالة تبعية اللصوص لزعيم العصابة-فهذه السلطة لابد أن يشعر بأنها ملزمة بطاعة أوامر المتبوع ولا يشرط أن يكون المتبوع على دراية فنية بعمل التابع، فمثلا مالك السيارة يعتبر متبوعا حتى ولم يكن على دراية بقيادة السيارات، مالك المستشفى الخاص يعتبر متبوعا ولو لم يكن طبيبا.
-والعنصر الثاني في مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة تكمن في أن السلطة الفعلية التي يملكها المتبوع يجب أن تنصب على الرقابة والتوجيه.
فالمتبوع يملك سلطة إصدار الأوامر لتابعه فيوجهه في عمله ويشترط أن تكون هذه السلطة أثناء تأدية هذه الأوامر في إطار عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبوع إذ أن هذه الميزة الأخيرة هي التي تميز المتبوع عن الأب ومعلم اللذان يعتبران مكلفان بالرقابة لا في صفة المتبوعين، والإشراف والرقابة بعمل معين وفعلي مركز المتبوع بالنسبة لشخص المشرف إذا كان معلم الحرفة مثلا عندما يشرف على توجيه ورقابة الصبي في عمل معين لا يعتبر هذا الأخير (الصبي) يقوم بعمل لحساب هذا المعلم ولكن يقوم به ليتدرب على العمل.
وقد يحدث أن يكون الخاضع للرقابة مكلف بعمل معين فيكون الأب إذا ما أمر ابنه بالقيام بعمل معين علاوة على أنه رقيب عليه متبوعا وللمضرور في هذه الحالة أن يختار رفع الدعوى على أساس متولي الرقابة أو على أساس مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة وللتفرقة أهمية مميزة نستوضحها في دراسة أساس المسؤولية .
- وقد يتعدد المتبوعين كما لو إستخدم عدة أشخاص شخصا للقيام بعمل مشترك وفي هذه الحالة يسألون جميعا عن خطأ هذا التابع بالتضامن .
- ولا يشترط أن يقوم المتبوع بالرقابة بنفسه،فالشركة تسال عن أخطاء العاملين بها دون ممارسة سلطة الرقابة والتوجيه بنفسها، وإنما تنيب عنها رؤساء العمال في ذلك .
المتبوع العرضي : قد يحدث أن تنقل التبعية من شخص إلى آخر مؤقتا، كما إذا إستعار أحد الأشخاص سيارة صديقه بسائقها فإذا إحتفظ لنفسه بسلطة الرقابة والتوجيه فيظل متبوعا أما إذا إنتقلت هذه السلطة إلى المستعير بأن كانت الإعارة لمدة طويلة،فيصبح هو المستعير متبوعا.

الشرط الثاني : صدور خطأ من التابع أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها

لكي نكون أمام توافر مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع فلا بد أن يصدر خطأ من التابع أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها وإن كان الخطأ الصادر من التابع لا يثير صعوبة إذ أنه الانحراف عن مسلك الرجل المعتاد،ويجب أن تتحقق مسؤولية التابع بإثبات أركانها، فإذا انتفت مسؤولية التابع سواء بسبب عدم ثبوت الخطأ أصلا أو لأي سبب آخر فإن مسؤولية المتبوع في هذه الحالة تنتفي ولا يكفي لقيام الخطأ في جانب التابع بل يلزم أيضا أن يسبب ضررا للغير يطلب التعويض عنه كما يجب أن يكون خطأ التابع قد وقع حال تأدية الوظيفة أو بسببها(ولكن المادة في القانون الفرنسي أضافت لفظ بمناسبة الوظيفة مع أن لا الفقه ولا القضاء يطبق هذه الحالة وستبعدها من مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع) وفيما يلي نوضح بأمثلة تطبيقية حال تأدية وبسببها وبمناسبتها
الخطأ حال تأدية الوظيفة :
اشترطت المادة 136 ق.م ذلك بقولها "متى كان واقعا منه في حال تأدية الوظيفة ……."
وهو الخطأ الذي يرتكبه وهو يقوم بعمل من أعمال وظيفته بغض النظر عن ظروف الزمان والمكان التي أحاطت به، والتطبيقات القضائية على مسؤولية المتبوع عن الخطأ التابع أثناء تأدية وظيفته ومن أمثلتها :
- أن يدهس السائق شخصا وهو يقود سيارة متبوعه لينقله إلى محل عمله.
- خطأ الممرض الذي يعطي السم بدل الدواء.
- إطلاق شرطي عيارا ناريا على متهم كلف بالقبض عليه.
- وقوع شئ من الخادم وهو ينظف الشرفة فيصيب به أحد المارة فيكون المتبوع (المخدوم) مسؤولا.
الخطأ بسبب الوظيفة :
إتفـق أغلب الفقهاء في إعطاء مجال هذا الخطأ الذي يسأل عنه المتبوع بقوله (وهو الخطأ الذي ما كان التابع يستطيع إرتكابه أو ما كان ليفكر في إرتكابه لولا الوظيفة ) ومن أمثلته:
- يتظاهر حارس المدرسة بفتح باب سيارة المدير فيطعنه بسكين.
- كلف شرطي بحراسة الصراف المكلف هو الآخر بإيداع مبالغ لدى الخزينة فقتله وإستولى على المال
- أن يرى الخادم سيده يتشاجر مع شخص آخر فيقوم بمساعدته بضرب الشخص ضربا أفضي لوفاته أو قيام الشرطي المكلف بالتحقيق مع المتهم بضربه ضربا أفضى لوفاته.
والخلاصة أن الخطأ بسبب الوظيفة هو الخطأ الذي يتصل بالوظيفة إتصال العلة بالمعلول بحيث إذ لم تكن الوظيفة ما كان الخطأ.
الخطأ بمناسبة الوظيفة فيصدمه بالسيارة عمدا :
لا تقوم مسؤولية المتبوع إذا وقع الخطأ بمناسبة الوظيفة .
والخطأ بمناسبة الوظيفة هو أن الوظيفة سهلت إرتكاب الخطأ أو ساعدت عليه أو هيئة الفكرة لإرتكابه، ولكنها مع ذلك ليست ضرورية لإمكان وقوعه أو التفكير فيه ومن أمثلته :
- أن يرى سائق سيارة عدوا له سيارة له يسير في الطريق.
- أو أن يطعن الطاهي بالسكين التي يعمل بها أحد خصومه.
- ففي هذه الحالات لا يكون المتبوع مسؤولا عن الخطأ التابع إذ أن الخطأ لو يرتكب حال أداء الوظيفة أو بسببها، فالوظيفة لم تكن ضرورية لإرتكاب الخطأ فهي ساعدت فقط على وقوعه وهذا غير كاف ليكون المتبوع مسؤولا .

المطلب الثاني :أسس مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع :

إختلف الفقهاء في تكييف هذه المسؤولية والأساس الذي تبنى عليه ويمكن رد هذا الاختلاف إلى طبيعة هذه المسؤولية، هل هي مسؤولية شخصية أم هي مسؤولية عن الغير؟

مسؤولية المتبوع مسؤولية شخصية :

يرى بعض الفقهاء أنها شخصية مستندين في ذلك على فكرة الخطأ المفترض في جانبه أو على فكرة التبعية
1/ الخطأ المفتـرض : ويكون في إختيار تابعه أو في رقابته أو في توجيهه، وهذا الخطأ لا يقبل إثبات العكس غير أن هذا الرأي منتقد لأنه لو جوزنا أن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه أساسها الخطأ المفترض لأستطاع المتبوع التخلص من المسؤولية بنفي العلاقة السببية بين خطئه المفترض وبين الضرر وهو ما لا يجوز بإجماع الفقه والقضاء.
أنه لو بنيت المسؤولية على الخطأ لوجب إستبعاد المتبوع غير المميز لأنه لا ينسب إليه خطأ ولو إفترضا وغير المميز يسأل بإعتباره متبوعا، وأن النائب عنه- الولي أو الوصي أو القيم-ينوب عنه في رقابة التابع وتوجيهه .
2/ تحمل التبعـة : وأصحاب هذا الرأي يقولون أن المتبوع يستفيد من خدمات تابعة، فعلية أن يتحمل الأضرار التي يسببها هذا التابع، طبقا لقاعدة الغرم بالغنم وإنتقد هذا الرأي :
- أن شرط قيام مسؤولية المتبوع وقوع خطأ من التابع وهذا تعارض مع فكرة تحمل التبعية التي تقتضي أن يعوض المتبوع عن الأضرار التي تحدث للغير من نشاط تابعه ولو لم يكن هناك خطأ من التابع .
- أن القانون أجاز رجوع المتبوع على تابعه بما دفع للمضرور، ولو كان الأمر تطبيقا لتحمل التبعة ما جاز له أن يرجع، لأنه يتحمل شخصيا تبعة النشاط الذي يفيد منه.
- أن القانون بنى فكرة المسؤولية على السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه وليس على أساس فكرة المنفع

مسؤولية المتبوع مسؤولية عن الغير :

رأينا أن فكرة تأسيس مسؤولية المتبوع على أنها مسؤولية شخصية(خطأ مفترض أو تحمل التبعية)
لا تصلح لتفسير مساءلة المتبوع، لذا ظهر رأي وهو الصحيح إلى إعتبارها مسؤولية عن عمل الغير،غير أن أنصار هذا الرأي إختلفوا في الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية إلى ثلاث أسس
1/ رأي ذهب إلى تأسيس هذه المسؤولية على فكرة النيابة القانونية التابع نائب عن المتبوع لذا يلزم هذا الأخير بتعويض الضرر ويعاب على هذا الرأي أن النيابة لا تكون إلا في الأعمال القانونية وعمل التابع عمل مادي .
2/ وذهب البعض الأخر إلى أن مسؤولية المتبوع أساسها فكرة الحلول، فالتابع حل محل المتبوع أو أن شخصية المتبوع إمتدت فما يقع من التابع خطأ فكأنما وقع من المتبوع ويعاب على هذا الرأي أنه يقوم على إفتراض بني في الواقع إذ لا يمكن أن ينسب الخطأ إلا إلى الشخص الذي صدر منه .
3/وأخيرا يذهب رأي ثالث وهو السائد في الفقه إلى أن مسؤولية المتبوع هو الضمان أو الكفالة، فالمتبوع يعتبر بمثابة الكفيل المتضامن وهي مصدرها القانون إذ يكون المتبوع متضامنا مع التابع في الوفاء بإلتزامه بالتعويض عن الضرر ويترتب على هذا الأساس أن المضرور يكون له الخيار بالرجوع على المتبوع أو على التابع، فإن رجع على المتبوع واستوفي منه التعويض كان للمتبوع الرجوع على التابع وهذا ما يتضح من خلال نص المادة 137ق.م (للمسؤول عن عمل الغير الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها الغير مسؤولا عن تعويض الضرر).
-  فمن خلال نصي المادتين 136و137ق.م يتضح بأن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة هي مسؤولية مقررة بحكم القانون لمصلحة المضرور تقوم على فكرة الضمان القانوني فالمتبوع يعتبر في حكم الكفيل المتضامن كفالة مصدرها القانون وليس العقد ومن ثمة فإن المتبوع الرجوع على تابعه محدث الضرر بما يفي من التعويض للمضرور لا على أساس أنه مسؤول معه بل لأنه مسؤول عنه.
وقيام مسؤولية التابع إلى جانب مسؤولية المتبوع تقتضي ان التابع يعتبر المسؤول الأصلي، أما المتبوع فهو مسؤولا تبعا فالمسئوليتان تقومان جنبا إلى جنب ويترتب على ذلك :
- يكون كلا من المتبوع والتابع مسؤولا بالتعويض عن الضرر الذي لحق الضحية ويكونان متضامنين وفقا لنص المادة 126ق.م التي تقتضي إذا تعدد المسؤولون عن العمل الضار كانوا ملزمين بالتعويض……
- إذا إقتضي المضرور التعويض من التابع فلا يجوز له الرجوع على المتبوع إذ لا يجوز أن يقتضي تعويضين عن ضرر واحد،ولا يجوز للتابع الرجوع على المتبوع بشيء مما دفع إذ أنه المسؤول الأصلي.
- إذا اقتضى المضرور التعويض من المتبوع، كان لهذا أن يرجع على التابع ليسترد ما أداه، ولا يستطيع التابع أن يدفع مطالبة المتبوع له بافتراض مسؤولية المتبوع لأن هذا الافتراض لمصلحة الغير وحده، وقد نصت على ذلك المادة 139 مدني جزائري بقولها(للمسؤول عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها هذا الغير مسؤولا عن تعويض الضرر).
- إذا تقررت مسؤولية التابع تقررت تلقائيا مسؤولية المتبوع، وبشكل حاسم إذا لم تعط الإدارة التشريعية المتبوع ما أعطاه للمكلف بالرقابة من إمكان دفع المسؤولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أن الضرر كان واقعا لا محالة ولو قام بواجب الرقابة .

المبحث الثاني : أحكام مسؤولية متولي الرقابة عن أعمال تابعه

حسب المادة 136 من القانون المدني الجزائري، تقوم مسؤولية المتبوع متى تحققت  مسؤولية التابع، ومتى توافرت شروط مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، والتي لا يمكنه دفعها إلا بنفي مسؤولية تابعه بإثبات السبب الأجنبي.

المطلب الأول : طرق دفع مسؤولية متولي الرقابة عن أعمال تابعه

السبيل الوحيد لدفع المسؤولية عن المتبوع هو نفي مسؤولية متبوعة، بأن يثبت المتبوع بأن الضرر كان لا بد من وقوعه ولو كان قد بذل هذه العناية، وأن سبب وقوع  الضرر هو السبب الأجنبي  و صور السبب الأجنبي هي: القوة القاهرة ، وخطأ المضرور ، وفعل الغير

الفرع الأول : القوة ة القاهرة :

تعرف القوة القاهرة بأنها ذلك الحادث الخارجي الذي ال يمكن توقعه وال دفعه يؤدي إلى إحداث ضرر، ولكي نكون أمام قوة قاهرة لابد من توفر شرطان هما:
1- استحالة توقع الحادث : فإذا كان الحادث مما يمكن توقعه فإننا ال نكون بصدد قوة قاهرة،  فتوقع الحادث يجعل من الممكن اتخاذ مختلف التدابير لتفادي وقوع الحادث، أو تفادي  نتائج عند وقوعه، فرب العمل إذا كان بإمكانه توقع إضراب العمال، فال يجوز له التمسك  بالإضراب باعتباره قوة قاهرة تعفيه من مسؤولية تسليم البضاعة. والمعيار في تقدير إمكانية توقع الحادث من عدمه هو معيار موضوعي وليس ذاتي، فالعبرة بأشد الناس حيطة وتبصرا وليس بالرجل العادي، مع مراعاة الظروف الخارجية المحيطة بوقوع  الحادث، فاستحالة توقع الحادث ينبغي أن يكون مطلقا وليس نسبيا.
2- استحالة دفع الحادث : لايكفي أن يكون الحادث مما ال يمكن توقعه، بل يجب أن يكون  زيادة على ذلك مما يستحيل دفعه، والمعيار في تقدير استحالة دفع الحادث هو معيار موضوعي أيضا يعتد فيه بمسلك أكثر الناس حيطة وحرصا، فإذا كان الحرص الشديد  يؤدي إلى تفادي وقوع الحادث حتى ولو كان ال يمكن تو قعه وال يشترط أن تكون الاستحالة  مادية إذ يكفي أن تكون استحالة معنوية.

الفرع الثاني : خطأ المضرور :

يثبت المتبوع أنه قد بذل العناية اللازمة، فلو قام مثال بتدريب السائق جيدا وكان سليما جسديا ويحمل رخصة القيادة، فبالتالي فلا خطأ من المتبوع في الرقابة والتوجيه والاختيار، لكن لو أن السائق )التابع( كان غير سليم جسديا، وكان ال يحمل رخصة السياقة، هنا لا يستطيع المتبوع نفي الخطأ عنه، ولا يبق له سوى نفي علاقة السببية بأن يثبت أن الضرر
كان واقعا لسبب أجنبي، مثال كأن يثبت أن خطأ المتضرر هو السبب في حصول الضرر، وأن المتضرر عبر فجـأة الطريق وتضرر بالسيارة أو أنه أراد الانتحار.

الفرع الثالث : فعل الغير :

تطبيقا للقاعدة القاضية أن الشخص ال يسأل عن فعله الشخصي ولا يسأل عن فعل غيره، إلا بناءا على نص قانوني أو اتفاق، وعليه إذا كان خطأ الغير هو السبب الحقيقي والوحيد في إحداث الضرر، فإن هذا الغير هو وحده المسؤول مسؤولية كاملة عن تعويض الضرر الذي تسبب فيه للمضرور.
ويعفى المدعى عليه من المسؤولية إعفاءا تاما إذا كان السبب الوحيد في وقوع الضرر هو فعل الغير سواء كان خاطئا أو غير خاطئ، أما إذا اشترك فعل الغير مع خطأ المدعى عليه في إحداث الضرر – تعدد المسؤولين – وتوافرت فيه صفتا القوة القاهرة، فإن المدعى عليه يلتزم بدفع كل التعويض على أن يحتفظ بحق الرجوع على الغير إذا كان فعله خاطئا، أما إذا لم تتوافر فيه صفتا القوة القاهرة كان كل من الغير والمدعى عليه متضامنين في التعويض المستحق للمتضرر، وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهما في الالتزام  بالتعويض.

المطلب الثاني : آثار قيام مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه

إذا لم يتمكن المتبوع من دفع المسؤولية الملقاة على عاتقه، والثابتة في حقه عن طريق  السبب الأجنبي فإنها تترتب آثارها القانونية والمتمثلة فيما يلي:

الفرع الأول : حق المضرور في الرجوع على دعوى التعويض

يحق للمضرور إما الرجوع على التابع (أولا) أو الرجوع على المتبوع (ثانيا)، أو الرجوع على التابع والمتبوع (ثالثا(
أولا : حق المضرور في الرجوع على التابع
يستطيع المضرور الرجوع مباشرة عن التابع بالتعويض عن الضرر الناجم عن العمل غير المشروع المنسوب إليه، ومعنى ذلك أن المضرور يترك طريق الرجوع على المتبوع، وهو أمر نادر ألن هذا الطريق أسهل في الإثبات من حيث افتراض الخطأ، وأضمن في الحصول على تعويض.
وإذا قامت مسؤولية التابع وبالتالي مسؤولية المتبوع، كان للمضرور دعوى قبل الأول  وأخرى قبل الثاني، وإذا كان للتابع شريك في التعدي جاز مساءلته مع التابع على وجه  التضامن، غير أن الغالب هو رجوع المضرور على المتبوع بمبلغ الضمان المحكوم به على  التابع، لافتراض يسار المتبوع، وهو أمر تقدره المحكمة.
ثانيا : حق المضرور في الرجوع على المتبوع
إذا كان الفعل الذي ارتكبه التابع يش ّكل جريمة جنائية، وادعى المضرور بالحق المدني أمام المحكمة الجنائية التي تنظر الدعوى، فإنه يمكن مقاضاة المتبوع أمام القضاء الجنائي باعتباره مسؤولا مدنيا، إلا أن تلك المسؤولية تستلزم سبق إثبات خطأ التابع، ويحق للمضرور الرجوع على المتبوع بدعوى المسؤولية وذلك من أجل المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه جراء خطأ التابع.
فالقاضي في هذه الحالة يحكم بإلزام المتبوع بدفع مبلغ التعويض للمضرور، كما يحكم في ذات الوقت وفي نفس الدعوى بإلزام التابع بتقديم تعويض للمتبوع، لكن في هذه الحالة لا  يمكن تنفيذ هذا الحكم على التابع،إلا بعد أن يدفع المتبوع التعويض المحكوم به للمضرور.
ثالثا : حق المضرور في الرجوع على التابع والمتبوع
يجوز للمضرور الرجوع على التابع والمتبوع معا بدعوى المسؤولية، على أساس مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة، وفي هذه الحالة يلتزم التابع والمتبوع بالتعويض على أساس التضامن بينهما.
وقد يكون هناك أكثر من تابع شريك في الخطأ، وقد يوجد أكثر من متبوع للتابع أو  التابعين، هنا يصح أن يرجع المضرور عليهم جميعا متضامنين.

الفرع الثاني حق المتبوع في الرجوع على التابع

للمتبوع الحق في الرجوع على التابع بما تكبده من نفقات وما دفعه من تعويض للمضرور، إذا استوفى المضرور مبلغ الضمان من المتبوع كان لهذا الأخير الرجوع بما دفعه على التابع، واذا كان المتبوع مشتركا مع تابعه في الخطأ فإنه ال يرجع على هذا التابع بكل التعويض بل يقسم التعويض عليهما بمقدار جسامة خطأ كل منهما، فإذا لم يتيسر للمحكمة تحديد نصيب كل منهما في المسؤولية وزع التعويض عليهما بالتساوي.
وتنص المادة 137 من القانون المدني الجزائري على أنه: '' للمتبوع حق الرجوع على تابعه في حالة ارتكابه خطأ جسيما '' وإذا أثبت مسؤولية التابع قامت مسؤولية المتبوع.
وإذا كانت علاقة التبعية تقوم بينهما على عقد، فإن رجوع المتبوع على التابع يكون على أساس المسؤولية العقدية، إذ يكون التابع قد أخ ّل بالتزام عقدي نحو المتبوع.
ويرجع المتبوع على التابع بدعوى الحلول، ذلك أن المتبوع عندما يدفع التعويض  للمضرور، فإنه يحل محله في نفس حقه وينتقل إليه هذا الحق بما يرد عليه من دفوع.

خـاتمة :
مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، ينجم عنها حق للمضرور في الرجوع على تابعه على أساس مسؤوليته الشخصية ولكنه يختلف الأمر لو رجع المضرور على المتبوع، إذ يكون الرجوع عن طريق دعوى التعويض كما أنه يستطيع المضرور الرجوع على التابع والمتبوع بنفس الدعوى وذلك على أساس التضامن إلا أن المشرع مكن المتبوع بدوره من الرجوع على التابع في حالة ارتكابه خطا جسيما ليسترد منه ما أداه من تعويض.
وعليه تعتبر مسؤولية متولي الرقابة ومسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه مسؤولية استثنائية، لأن الأصل أن الشخص لا يسأل إلا عن فعله الشخصي ولا يسأل عن أفعال وأن المسؤولية عن عمل الغير تقررت قانونا لمصلحة الغير (المضرور) وهذا كله تسهيلا للمضرور في حصوله على حقه في التعويض. 

المراجع
1- القوانين
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم بالقانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005
2-الكتب
- د علي فيلالي، الالتزامات، العمل المستحق للتعويض، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 2002.
- د دربال عبد الرزاق، الوجيز في النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، دار العلوم  للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004
- د علي علي سليمان، دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري، المسؤولية عن فعل الغير - المسؤولية عن فعل الأشياء - التعويض)، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994.
 -
د خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، مصادر الالتزام، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010.
- دعبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام،  مصادر الالتزام، الجزء الأول، منشأة المعارف الإسكندرية، 2004.
- د عبد القادر الفار، مصادر الالتزام، مصادر الحق الشخصي في القانون المدني،  دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2004.

عن الكاتب

درع العدل

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

قلعَة القانُون